كان يجلس هناك بين الصخور الممتدة يحدق متأملا في صفحة الماء وقد ارتفع طرف صنارته في الأفق معلنا عن رغبته الجامحة في الإمساك بسمكة سكنت وتربت في أعماق ذلك البحر الذي عشق....
بدا ساكنا كتلك الصخور التي جلس فوقها والتي ظلت صامدة لأمد بعيد في وجه أمواج البحر الغاضبة...
كان يرقب هديرها في تأمل لتلك المعركة بينها وبين الصخر المدافع والتي نقشت أحداثها للأبد على جبين الصخور ... كان يخفى عينيه مرتديا قبعة الصيد العريضة وكأنما استحى أن يرى صديقه الأزرق الممتد تلك العبرات التي تسارعت متحدرة من مقلتيه وهذه المرة قبل أن تأخذ أجفانه القرار بإغلاق الطريق في وجهها كعادتها ......سقطت قطرات دمعه الماسية واختلطت بماء البحر الصافي لتمتزج دموعه بدموع البحر في مشهد يسوده الشجن والهدوء ...أطرق للحظات متأملا تلك الموجة التي أتت تهفو إليه لتواسيه ....وجهها الباسم رسم الابتسامة على ثغره ....وتلألأت في عينيه نظرة ود حالمة نحو ذلك الصديق الذي طالما كان رقيقا وحنونا معه ...وراح يتعجب من ذلك الذي أحس بآلامه فبكى متأثرا بتأثره ثم كيف أهدت له موجة منه الابتسامة من جديد ...وراح يسأل البحر كيف استطاع أن يخرج ما في صدره من أحزان في حين لم ينجح غيره في أن يتسلل إلى أعماق نفسه.
وازداد حبا للبحر ....ثم فجأة طرأت له فكرة ما ....
وقف وأخرج صنارته من البحر ووضعها جانبا ...ثم نظر إلى الأفق البعيد وأخذ نفسا عميقا وكأنه أراد أن يضم هواء البحر العليل إليه وحده ثم ألقى قبعته لتطير وتستقر فوق صفحة الماء وقال هامسا للبحر:"أرجو أن تقبل هديتي تلك..وتهديها لمن تحب "
ثم قفز عاليا ليغوص جسمه ثم يصعد إلى السطح ويبحر نحو البعيد ...ليذهب مع من أحب في نزهة ليعود بعدها صافى البال كصفاء ماء البحر المنعش