أشرقت الشمس باهتة من وراء الغبار الكثيف ، بعد ليلة طويلة من القصف الجائر .. وكانت الجدة في ركن من فناء البيت المبني بالحجر تُخيط ملابس ابنها .. والأم جلست على وعاء الغسيل تغسل الملابس .. وكانت الطفلة الصغيرة كريمة التي لم تتعدى الست سنوات من العمر تجري وتلعب في فناء المنزل .. تقف قليلاُ تتحدث مع نفسها ثم تركض وتقف على باب البيت تتلفت ثم تتجه ببصرها إلى تلك الجبال العالية التي غطت قممها الثلوج .
الأم: كريمة ...هيا ادخلي ..
الطفلة: سانتظر أبي ..
الأم: لن ياتي الان
الجدة: هل تسمعين شيئاً ؟
الأم بقلق: اسمع صوت طائرة ولكنه يبدو بعيداً
وتتابع الأم:.. كريمة .. لاتقفي هكذا هيا أدخلي واغلقي الباب !
الجدة: هل تظنين أنهم يعودون اليوم للقصف ؟
الأم وهي تفرك الملابس بيديها… لا أدري ولكني أسمع صوت طائرة ..
الجدة: هل مات أحد البارحة ؟
الأم وهي مخفية دموعها عن الجدة: بيت كريم الدين.. كلهم ماتوا لم يبق أحد..
الجدة: هل تسمعين شيئاً؟
الأم: يبدو ان الصوت قد اقترب .. كريمة .. كريمة ..أغلقي الباب وتعالي ساعديني..خذي هذه الملابس انشريها هناك .....
الطفلة راكضة للغرفة ..أختفت قليلاً وجاءت وبيدها ثوب زفاف أمها المزركش بالقصب الأم: أرجعي الثوب وتعالي ساعديني......
الطفلة: هل ستلبسيني ثوبك يوم زواجي؟
الأم ضاحكة: هل تفكرين في الزواج من الآن …أعدك إن شاء الله ولكن ألا نبحث عن الزوج أولاً ؟
الطفلة: سأتزوج أبي
الأم: هذا لا يجوز
الطفلة: بل سأتزوجه ولن أتزوج أحد غيره… أليس هو زوجك .. سيكون أبي وزوجي
الأم محاولة ان تُخفي قلقها : هيا أرجعي الثوب وخذي هذه الملابس وانشريها ..
الجدة: هل تسمعين شيئاً؟
الأم: يبدو أن الصوت قد اقترب … كريمة … كريمة أين ذهبتي ألا تأتي لتساعديني … ولكن الطفلة فاجأت أمها وهي قادمة إليها وقد ارتدت ثوب زفاف أمها..
الأم بغضب: قلت لك أرجعي الثوب مكانه وتعالي ..
الجدة : يبدو أني أسمع صوت طائرة ..
الأم : أنها قريبة منا !!
الجدة: دعينا ننزل للغرفة السفلى قبل أن يأتوا ..
الأم : كريمة…كريمة… هيا تعالي سننزل إلى الغرفة السفلى
الجدة.. سأسبقك إلى هناك يبدو أنني أسمع صوت الطائرات بوضوح، هيا عجلي ولا تتأخري أأتي بالطفلة معك وماكادت الجدة تنهي كلامها.. حتى سُمع صوت انفجارات بالقرب من بيتهم !!
الأم : كريمة… كريمة.. تعالي بسرعة .. هيا .. اين أنتي الطفلة وقد وقفت على باب الغرفة ولم تزل مرتدية ثوب أمها… لم استطع أن أخلعه !
الأم: هيا تعالي . اتركيه فيما بعد .. وما كادت الأم تنهي كلمتها الأخيرة حتى سقطت قذيفة جوار البيت …. وتهدم البيت بكامله ….. وجاء الجميع يركض بعد انتهاء القصف….أخرجوا الأم والجدة وهما ممزقتان..لم يجدوا الطفلة.. أتى الأب المجاهد وأخذ يرفع التراب بيدان ترتعشان مُدارياً دموعه حتى لايراها أحد ،كان لديه الأمل انه سيخرجها قبل أن تموت... لكنه وجدها في ركن الغرفة المهدمة.. كانت ميتة ولم تزل دمائها الدافئة تنزف وهي ترتدي ثوب الزفاف… حملها بيديه وأجهش بالبكاء فوق فستان زفافها